هذا الحديث مخصص عن المراهقة والمراهقين والمراهقات ، ومع أن كثيراً من سلوكنا التربوي الذي سلكناه مع ابن الخامسة ينبغي أن نسلكه مع ابن الخامسة عشرة إلا أن مرحلة المراهقة بما لها من خصوصية ، وبما يثور فيها من عواصف عاتية تستحق فعلاً معالجة خاصة .
إن المراهقة تعني المقاربة ، والمراهق هو الطفل الذي قارب البلوغ ، وعلماء النفس والتربية يقسمون فترة المراهقة إلى ثلاث مراحل : مبكرة ومتوسطة ومتأخرة ، والمراهقة المبكرة تبدأ في الثانية أو الثالثة عشرة ، أما المتوسطة فإنها تبدأ في الخامسة أو السادسة عشرة ، وتأتي بعدها مرحلة المراهقة المتأخرة ، وهذه تمتد إلى سن الحادية أو الثانية والعشرين ، وبعدها تكون مرحلة الشباب ، وهذا يعني باختصار أن مراحل المراهقة تقابل مراحل الدراسة في المدارس المتوسطة والثانوية والجامعات.
ولا بد من القول : إن هذا التحديد لمدة المراهقة تقريبي ، لأنه مبني على أسس غير موحدة وغير ملموسة بالقدر الكافي ، لكنه مع افتقاره إلى الدقة صحيح على نحو عام ، وإني لأعجب من بعض الباحثين الذين يحاولون إثبات تجاهل التعاليم الإسلامية للمراهقة ، ووصم الدراسات التي تتعلق بالمراهقة والمراهقين بنوع من السفه أو مجافاة الحقيقة ، ويستدلون على توجههم هذا بأن الطفل إذا بلغ صار مكلفاً بالأحكام الشرعية، وهذا يدل على وعيه وفهمه وشعوره بالمسؤولية ، ولا شك أن هذا الاستدلال في غير محله فالمراهق إنسان عاقل ومدرك للفضائل ، وفي ذهنه فصل لا بأس به بين الحق والباطل والخير والشر ، لكن سيطرته على نفسه ونوازعه وانسجامه مع مجتمعه ، وإدراكه لمصالحه .... كل ذلك ناقص،وحين يبلغ سن الثامنة عشرة يكون قد قطع معظم مرحلة المراهقة ، ويكون قد دخل في عداد الراشدين ، مما يجعل سلوكه يقترب رويداً رويداً من سلوك الكبار.
إن الواقع المعيش يدل بقوة على أن مرحلة المراهقة هي مرحلة متوسطة بين الطفولة والنضج ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عدَّد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله قال : (( وشاب نشأ في عبادة الله )) والسبعة الذين ذكرهم قاموا بأعمال عظيمة ومتميزة ، وهكذا الشاب المستقيم الطائع يقوم بعمل عظيم لأنه ينتصر على كثير من الشهوات والنوازع السيئة ، وقد ورد في بعض الأحاديث ما هو أكثر تحديداً من هذا حيث روي عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال : (( عجب ربك لشاب ليس له صبوة)) وأنه قال : (( الشباب شعبة من الجنون ))
وأود أن أشير هنا إلى الآتي :
1ـ لو تأملنا في المشكلات التي نواجهها مع المراهقين والمراهقات من أولادنا ، لوجدنا أنها في الغالب ليست كبيرة بقدر ما هي مستفزة ومزعجة ، فالطفل الوديع الذي كان يُلقي بنفسه في حضن والدته يحبو الآن نحو الرشد والاستقلال ، وهو سيرفض الكثير من الأمور الجيدة والمنطقية حتى يؤكد لنفسه ولغيره بأنه قد كبر ، وصارت له رؤيته الشخصية.
2ـ نحن نرى مشكلات المراهقين كبيرة لأننا قريبون جداً منهم ، والعجيب أن كثيراً من الناس يعتقدون أن أبناء الآخرين أفضل من أبنائهم ، وما ذلك إلا لأنهم يرون أولادهم من قرب ، ويرون أبناء غيرهم من بعد ، ولو اقتربوا منهم أكثر ، فسيتغير الحكم لديهم .
3 ـ كثير من غضب الآباء من أبنائهم يعود إلى حرصهم الشديد عليهم ، إنهم يريدون لهم أن يكونوا أفضل الناس وأنجح الناس، كما أن الآباء يريدون حماية أبنائهم من الأخطاء التي وقعوا فيها حين كانوا في مثل أعمارهم ، وأنا أقول لهم لن تستطيعوا ذلك ، كل شيء سيبلغ مداه ، وسيقع الصغار في معظم الأخطاء التي وقع فيها الكبار ، وسيظل المراهق يتعلم من أخطائه أكثر مما يتعلمه من توجيهات أهله ونصائحهم ، هذا ما سيخبرنا به التاريخ ، وليس في هذا دعوة إلى عدم الاكتراث ، وإنما المقصود تخفيض درجة الشعور بالمرارة لدى الآباء ، والتعامل مع الأمور بسعة صدر وحكمة ، نعم يستطيع الواحد منا أن يتواصل مع أبنائه أكثر ، ويستمع إليهم باهتمام أكبر ، ويهيئ لهم بيئة أفضل .
4ـ شيء جيد أن ندرك أننا لسنا آباء مثالين، فنحن لسنا قدوة كاملة لأبنائنا في كل شيء، ونحن نغضب أحياناً من غير سبب واضح ، ونشك أحياناً من غير داع، ونسيء الفهم والتفسير لكثير من تصرفات الأبناء ... ولهذا فإن التوتر الموجود في كثير من البيوت ليس بسبب سوء تصرف الأبناء فحسب، فالكبار يتحملون مسؤولية جزء منه .
5 ـ إذا أراد الواحد منا أن يتقبل الكثير من تصرفات الأبناء ، أو يتعايش معها فإن عليه أن يتذكر أمرين
الأول : أن يتذكر مرحلة المراهقة التي مر بها، وأن يتذكر الأخطاء التي بدرت منه فيها ، فهذا يساعده على أن يتفهم أسباب ما يحدث ، وأن يُبدي حياله نوعاً من التسامح :
الثاني : هو أن ما يفعله المراهقون مؤقت ، وسوف يتحسن كل شيء مع مرور الزمن ، وإذا تذكر الواحد منا تاريخه الشخصي ، فسوف يلاحظ أنه لما كان في السابعة عشرة كان ينتقد نفسه على كثير من تصرفاته السابقة ، ويلوم نفسه عليها ، ويستحي منها ، وما ذاك إلا لأنه كان يمضي في طريق النضج .
6ـ تصور وسائل الإعلام المراهقين على أنهم أشخاص متمردون على المجتمع وغريبو الأطوار ، وكأنهم من عالم آخر ، وهذا يجعل الفجوة كبيرة بين المراهق وغيره ، ويدفع به إلى الشعور بأنه في معركة ضد أهله ومجتمعه ، وأن عليه أن يربح تلك المعركة ... المراهق جزء من مجتمعه ، ولديه الكثير من الخير والبراءة والطيب ، لكنه يمر بمرحلة خاصة تجعل التفاهم بينه وبين الكبار صعباً.
إنني حريص جداً على أن أوصل إلى قرائي الأعزاء أكبر قدر من الأفكار والمفاهيم والمبادئ الراقية والمهمة بأبسط أسلوب وأوضح تناول ممكن ، وإني لأسأل الله الرحيم الكريم أن يعينني على ذلك ، وأن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتي يوم لا ينفع مال ولا بنون .